إيشان ثارور|ترجمة فريق العمل

     خلال جل حياته السياسية، كان الرئيس بايدن وصيًا على النظام "الليبرالي الجديد". فقد كان عنصرًا أساسيًا في مؤسسة واشنطن التي روجت للعولمة الاقتصادية منذ سنين

، واعتنق على غرار الكثير من النخب السياسية في العديد من بلدان العالم للإيجابيات الواضحة للتجارة الحرة والمسؤولية المالية. على الرغم من أنه كان في غالب الأحيان يرافع لصالح القيم الأمريكية لأصحاب الياقات الزرقاء، إلا أن بايدن كان حاملًا لفكر تجاري خاص وهو سياسة "الطريق الثالث" التي سخرت من الحروب الطبقية وتحالفت مع وول ستريت. كنائب للرئيس السابق باراك أوباما وقف وراء سياسة التعافي الاقتصادي بعد الأزمة المالية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يرى النّقاد بأنها غير كافية لأنها عززت مصالح الأثرياء والشركات على حساب غالبية الشعب الأمريكي.

لكن في الأشهر القليلة الأولى من توليه الرئاسة، تجاوز بايدن رقم الميزانية المقترح إلى آخر دراماتيكي؛ بعد أن رصد الكونجرس مبلغا ضخمًا بقيمة 1.9 تريليون دولار لمواجهة الأوبئة، قدم بايدن خطة تشريعية طموحة لإصلاح البنية التحتية للبلاد، وخلق ملايين من الوظائف الجديدة، والعمل من أجل ملاءمة الاقتصاد بشكل أفضل مع مراعاة ضرورات طارئة كتغير المناخ - كل ذلك على نحو ربما 4 تريليون دولار للإنفاق على مدى العقد المقبل.

يقول بايدن عن التشريع الذي اقترحه أخيرا: "سيخلق أقوى وأكثر اقتصاد مرونة وابتكارًا في العالم، وبأنه ليس موجها للتلاعب بمصالح أي طرف، بل سيكون استثمارا كبيرا لكل الجيل الأمريكي، وهو شيء لم يحدث سابقا ومنذ أن أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية نظام الطرق السريعة بين الولايات".

من المؤكد أن بايدن سيواجه معركة صعبة في الكونجرس، مع قلق الجمهوريين وحتى الديمقراطيين المعتدلين من العجز الأمريكي واحتمال ارتفاع نسب التضخم، لكن الناقد اليساري روبرت كوتنر يرى بأن طموح بايدن كاسح ومذهل ويمكن أن يمثل تحولًا للديمقراطيين لم يشهدوه منذ عقود بكونهم "حزبًا ليبراليًا جديدًا في وول ستريت".

ويل هوتون كاتب عمود في صحيفة الغارديان كتب بغيض شديد: "المؤرخون والسياسيون يقارنون فعليا بين طموح برنامج فرانكلين دي روزفلت الجديد أو مشروع المجتمع العظيم لليندون جونسون"

بالتعبير البريطاني يبدو الأمر كما لو أن حكومة عمالية قادمة تعهدت بإنفاق 500 مليار جنيه إسترليني على مدى العقد المقبل مع التركيز اليسار البريطاني على جعل بريطانيا على جعل بريطانيا في جميع تمظهراتها تعمل على القيام بكافة الالتزامات، وتحقيق المساواة العرقية، والصفر الصافي (أي اقتصاد خال من الانبعاثات)، وأن تصبح قوة عظمى علميا ".

تشير سلسلة من التقارير الأخيرة إلى أن بايدن مهتم بالتدثر بالإرث التاريخي لعظماء الإصلاح الديمقراطي الأمريكي، بما في ذلك إرث روزفلت، بغض النظر عن حدود المقارنة بينهما وعن آرائه الشخصية فإن تحركاته تعكس روح العصر السياسي الجديد في الغرب، الذي ظهر خلال العهدة الفوضوية التي تميزت بها رئاسة ترامب، واتخذ شكلًا ملموسًا وسط الخراب والدمار الذي خلفه الوباء.

أشار إشاين تايلور في مقالة افتتاحية له العام الماضي في الفاينانشيال تايمز إلى أن "الإصلاحات الجذرية -عكس السياسة السائدة في العقود الأربعة الماضية - يجب أن توضع على الطاولة " و يجب على الحكومات أن تقوم بدور أكثر نشاطا في الاقتصاد وعليهم أن ينظروا إلى الخدمات العامة على أنها استثمارات وليست التزامات، وأن يبحثوا عن طرق لجعل أسواق العمل آمنة ".

للمساعدة في تعويض التكلفة الباهظة للبنية التحتية وخططه الوظيفية، اقترح بايدن زيادات ضريبية كبيرة على الشركات والطبقة الثرية. على الرغم من أن ذلك سيواجه بمقاومة سياسية من جماعات الضغط في الشركات ، إلا أنه أصبح عرضًا أسهل الآن مما كان عليه عندما كان بايدن نائبًا للرئيس. لقد أوضح الوباء الحاجة إلى أكثر الحكومات غير المتدخلة لتعزيز شبكة التأمين الاجتماعي والتخلي عن المخاوف القديمة بشأن أوجه العجز والتحيزات للتقشف.

كتب إريك ليفيتز من مجلة نيويورك: "ببساطة كان الاقتصاد الأمريكي على مدى العقود الأربعة الماضية أكثر قسوة بكثير وأكثر انعدامًا للمساواة مما يحتاجه الرأسماليون ذوو الثراء الفاحش أو سكان الضواحي الأثرياء". "في الحقيقة حتى دولة الرفاهية على النمط الأوروبي الغربي (ومعدلات الضرائب المرتبطة بها) لا تتعارض مع المصالح المادية المستنيرة للطبقة الوسطى ؛ يمكن فقط للأثرياء أن يكونوا واثقين من أنهم لن يحتاجوا أبدًا إلى التأمين الاجتماعي ".

هذا هو الخطاب الذي ردده صندوق النقد الدولي، وهو مؤسسة يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها تجسيد للليبرالية الجديدة، فقبل اجتماعاتها السنوية هذا الأسبوع أصدرت تقريرًا يدعو الاقتصادات المتقدمة إلى استخدام ضرائب أكثر صرامة للمساعدة في تعويض تكاليف مواجهة الوباء. ويشمل ذلك ضرائب أكبر على أرباح الشركات والميراث والممتلكات وغيرها من الإجراءات التي يصر الجمهوريون في واشنطن بشكل روتيني على أنها ستضر بالمصلحة الوطنية. ومن المتوقع أن تحدد وزيرة المالية جانيت يلين الدعوة للاجتماعات بخطاب يدعو إلى حد أدنى عالمي لمعدل الضريبة على الشركات، الأمر الذي قد يحفز الشركات بالتوجه إلى الخارج.

كتب ثلاثة من خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي: "يمكن للعديد من البلدان الاعتماد بشكل أكبر على ضرائب الملكية والميراث" ، مشيرين إلى أن التضييق على الطبقية داخل المجتمعات أمر مهم للتماسك الاجتماعي. "يمكن للبلدان أيضًا رفع مستوى الضريبة التصاعدية نظرًا لأن بعض الحكومات لديها مجال لزيادة معدلات ضرائب الدخل الشخصي الهامشية، في حين أن البعض الآخر يمكن أن يركز على إزالة الثغرات في ضرائب الدخل الرأسمالي".

إن تخلي بايدن الظاهر عن إرث الليبرالية الجديدة قد يمتد أيضًا إلى السياسة التجارية، فمن غير الواضح إلى أي مدى قد تحيد الإدارة الجديدة فعليًا عن المسار الأكثر حماية الذي حدده سلفها من القوميين. عندما سأل إشاين تايلور خلال جلسة استماع بالكونجرس عما إذا كان الهدف من اتفاقية التجارة بين البلدين هو إلغاء التعريفات الجمركية والحواجز التجارية، اعترضت كاثرين تاي، الممثلة التجارية الأمريكية المعينة من قبل بايدن.

قال تاي: "ربما لو سألتني هذا السؤال قبل خمس أو عشر سنوات ، كنت أميل إلى الإجابة بنعم". لكنها قالت إن تجربة السنوات القليلة الماضية ، بما في ذلك حالة الطوارئ التي فرضها الوباء و الحروب التجارية لإدارة ترامب ، دفعتها إلى الاعتقاد بأن "سياساتنا التجارية يجب أن تكون دقيقة ، ويجب أن تأخذ في الاعتبار جميع الدروس التي تعلمناها سابقا ، فالكثير منها مؤلم للغاية ، و هو جزء من تاريخنا الحديث ".

يقول السناتور كريستوفر أ. كونز لصحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من هذا العام "لقد شهد كل من شارك في الأعمال التجارية أو الحكومية في الثمانينيات أو التسعينيات بعضًا من نتائج العولمة، ولكن الكثير من الضرر كان أوسع وأعمق بشكل غير متوقع؛ بايدن يعتقد أننا بحاجة إلى تغيير الاتجاه في التجارة".

يقف بايدن في الوقت الحالي على رأس الاقتصاد الأمريكي الذي يقود العالم الغربي للخروج من الوباء. كتب تايلور ديفيد لينش: "وسط تقدم مطرد في التلقيح ضد فيروس كورونا، يكتسب الاقتصاد الأمريكي الكثير من القوة لدرجة أن مكاسبه لن تبقى في الداخل". "من المتوقع أن يمتد الطلب على السلع والخدمات هذا العام إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة، مما يجعل الولايات المتحدة أكبر مساهم منفرد في النمو العالمي لأول مرة منذ عام 2005 ، وفقًا لـمجلة أكسفورد الاقتصادية".

بفضل مشروع قانون التحفيز الكبير، ستساعد الولايات المتحدة في إضافة ما يقرب من 1.5 في المائة إلى معدل نمو الاقتصاد العالمي هذا العام، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، و بحلول نهاية العام المقبل من المتوقع أن يكون الناتج العالمي أكبر بنحو 3 تريليون دولار مما كان سيحدث في غياب إنفاق أمريكي جديد.

صرح كبير الاقتصاديين بالبنك المركزي الأوروبي فيليب لين لشبكة CNBC الأسبوع الماضي أن "حقيقة وجود حافز كبير في الولايات المتحدة سيعزز الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وسيعزز الصادرات من منطقة اليورو"، مضيفًا أن إنفاق بايدن الجديد "سيكون محركًا مهمًا لـ اقتصاد العالم".

المصدر: الواشنطن بوست

https://www.washingtonpost.com/world/2021/04/05/biden-infrastructure-plan-neoliberalism/