تتحدث هذه الورقة التحليلية عن قوة الفصائل المسلحة التي تعرف بأنها حليفة لإيران ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، ونفوذها السياسي وإمكانياتها العسكرية والاقتصادية المتنامية وتطويرها ما يبدو أنها "مؤسسات موازية" في مقابل مؤسسات الدولة العراقية.
يشغل الجدل الخاص بفصائل مسلحة منخرطة ضمن (الحشد الشعبي)، جزءًا أساسيًّا من اهتمامات الشارع السياسي العراقي؛ حيث بات لهذه الفصائل التي تُعرف بقربها من إيران، وولائها المعلن لقيادتها الدينية، مصادر قوة وتمويل وقدرات منحتها قابلية تشكيل مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة، حتى باتت عبارة (دولة موازية) أمرًا غير بعيد عن الواقع.
تمثل هذه الفصائل المسلحة جزءًا رئيسيًّا من الحشد الشعبي وتتولى مواقعه القيادية، وتعرِّف نفسها بأنها جزء من (محور المقاومة) التابع لإيران في عموم المنطقة، وتُعرف إعلاميًّا بعبارة (الفصائل الولائية) نسبة لولائها لإيران والمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي. سنعرِّف هذه الفصائل تحت اسم "الفصائل المتنفذة"، ومن أبرزها: منظمة بدر/الجناح العسكري وكتائب حزب الله وحركة عصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي بالإضافة إلى حركة حزب الله النجباء وسرايا طليعة الخراساني.
لقد شكَّل وجود قوات الحشد الشعبي وفق هيكلته المقرَّة رسميًّا، وطبيعة ارتباطها "عمليًّا" بمؤسسات الدولة، دافعًا لقيادات "الفصائل المتنفذة" ضمن تشكيلاته لبناء إدارات خاصة به، كالمحاكم والمعتقلات ومعامل التصنيع العسكري وغيرها من المؤسسات الموازية لمؤسسات الدولة العراقية في محاكاةٍ لأساليب العمل المتبعة في قوة الحرس الثوري الإيراني، أو ذراعه الأقرب إليه من حيث الهيكلية المؤسساتية، حزب الله اللبناني.
ورسميًّا، يُعد الحشد الشعبي "تشكيلًا عسكريًّا مستقلًّا وجزءًا من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة" الذي هو نفسه رئيس الوزراء.
وتتكون هيئة الحشد الشعبي من أكثر من 164 ألف مقاتل يتوزعون بنحو 110 ألف مقاتل على 67 فصيلًا (شيعة) بينها 44 فصيلًا (1) ترتبط ببيعة شرعية للمرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، و9 فصائل من الحشد العشائري (نحو 40 إلى 50 ألف مقاتل من العرب السُّنَّة) (2)، و9 فصائل (أقل من 10 آلاف مقاتل) من المكونات الأخرى، المسيحية والأيزيدية والتركمانية وغيرها، ينتشرون في مناطق سهل نينوى والمناطق المُتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل.
ومنذ نهاية عام 2017، وبعد الإعلان عن هزيمة تنظيم الدولة، بدأت منافسة الحشد الشعبي لمؤسسات الدولة العاملة في عدد من القطاعات في المناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم، والاستحواذ على الجزء الأكبر من مشاريع إعادة الإعمار ومشاريع تنمية الأقاليم تحت إشراف "الفصائل المتنفذة" في الحشد وبشكل مستقل بات يشكِّل ما يُشبه المؤسسات الموازية لمؤسسات الدولة العراقية، وقد ترافقت هذه الظاهرة، مع ممارسات مماثلة على الصعيد العسكري والتنظيم الداخلي، حتى أصبح الحديث عن "دولة موازية" في مقابل الدولة العراقية، تعبيرًا مجازيًّا مقبولًا.
وتُثير إجراءات الحشد الشعبي لفرض الأمر الواقع قلقًا لدى الحكومة الاتحادية التي تحاول استعادة قرار مؤسسات الدولة العراقية وإنفاذ القانون. وترفض "الفصائل المتنفذة" الانسحاب من محافظات غرب وشمال غربي العراق خلافًا لقانون هيئة الحشد الشعبي الذي ينص على أن "يكون إعادة انتشار وتوزيع القوات في المحافظات من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة حصرًا".
كما أن تحقيق المكاسب الاقتصادية لصالح "الفصائل المتنفذة" على حساب مؤسسات الدولة العراقية، من شأنه أن يقوض سيادة الدولة على مؤسساتها ويعطل نمو القطاعات الحكومية والقطاع الخاص، بالإضافة إلى حرمان ميزانية الدولة من إيرادات إضافية يمكن أن تسهم في إعادة تأهيل البنية التحتية وإنعاش الاقتصاد الذي أنهكته الحرب ضد تنظيم الدولة.
ملامح بناء قدرات الدولة الموازية
أولًا: النفوذ السياسي
لتعزيز نفوذها السياسي في مراكز القرار بالدولة العراقية، شكَّلت "الفصائل المتنفذة" تحالف "الفتح" برئاسة هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر الذي شارك بانتخابات 2018 وحصل على 47 مقعدًا من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 329 مقعدًا.
ويمثل التحالف الذي يضم 18 كيانًا سياسيًّا معظمها أجنحة سياسية للفصائل المسلحة الحليفة لإيران ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، الجناحَ السياسي لتلك الفصائل.
ويضم تحالف الفتح ممثلي أكبر الفصائل المسلحة، مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب "جُند الإمام" (3) وفصائل أخرى حليفة لإيران.
ويستخدم قادة "الفصائل المتنفذة" نفوذهم السياسي من خلال تمثيلهم في كتلة الفتح النيابية، وتعيين مسؤولين من المنتمين إليها أو المقربين منها، على أساس توزيع السلطات في مؤسسات الدولة وفق مبدأ "المحاصصة" المعمول به بعد غزو العراق، عام 2003.
ثانيًا: القدرات الاقتصادية
بعد انتهاء المهام القتالية لفصائل الحشد الشعبي في قتال تنظيم الدولة، نهاية عام 2017، عززت "الفصائل المتنفذة" مكانتها في ميادين شتى خارج مؤسسات الدولة العراقية عبر بناء مؤسسات واقتصاد مواز مستقل عن الدولة، خاصة في المحافظات التي استعادتها القوات الأمنية من التنظيم بمشاركة الحشد الشعبي وبدعم من التحالف الدولي.
ولمعظم "الفصائل المتنفذة"، التي هي في الغالب مجموعات شيعية مسلحة مرتبطة بفيلق القدس الإيراني، مكاتب اقتصادية في مدنٍ ومحافظاتٍ عراقية، بما فيها العاصمة بغداد، تتوزع مهامها بين جمع التبرعات والتجنيد وتحقيق عائدات مالية عبر المكاتب الاقتصادية التي تعمل دون ترخيص رسمي من الحكومة.
ولعبت هذه المكاتب دورًا في الاستيلاء على "مقدرات مدينة الموصل الاقتصادية" (4) ، والاستيلاء على "حقول النفط في المحافظة بموجب موافقات رسمية من الأمانة العامة لمجلس الوزراء" (5) .
وتفرض المكاتب الاقتصادية "رسومًا شهرية على أصحاب المقاهي والمطاعم والتجار، بالإضافةِ إلى رسوم على شاحنات نقل البضائع التي تدخل بعض المدن الخاضعة لنفوذ الفصائل" (6)، وتحقق عائدات تقدر بـ"ملايين الدولارات من بيع كل شيء بدءًا من السيارات المحطمة والأسلحة الخربة وانتهاء بصهاريج المياه وإطارات النوافذ"، وهي كميات ضخمة تقدر بـ"مئات آلاف الأطنان" (7).
وتزيد إيرادات إحدى نقاط التفتيش بين محافظتي ديالى وكركوك على "أكثر من مليون دولار يوميًّا، لصالح كتائب حزب الله ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق" (8).
وتعمل "الفصائل المتنفذة" على زيادة إيراداتها من خلال منافذ عدة مثل بناء المستشفيات وافتتاح "جامعات" (9) أو مدارس للتعليم الثانوي والمتوسط والاستثمار في مراكز التسوق.
وفي دلالة على نفوذ "الفصائل المتنفذة" في مؤسسات الدولة الاقتصادية والعسكرية، تستحوذ هذه الفصائل على مؤسسات تابعة للدولة عن طريق تسليمها مباشرة (10) من قبل المسؤولين الحكوميين دون اتباع الإجراءات القانونية المعتمدة في إحالة بعض المؤسسات أو الشركات المملوكة للدولة إلى أطراف أخرى عن طريق المناقصات، أو وفق قانون الاستثمار.
ثالثًا: الإمكانيات المالية
تستثمر "الفصائل المتنفذة" نفوذها في مجلس النواب لزيادة تخصيصات الحشد الشعبي من ميزانية الدولة العراقية التي بلغت في موازنة 2021 أكثر من 2.4 تريليون دينار (1.6 مليار دولار).
وتستحوذ بعض الفصائل والأحزاب السياسية المتنفذة على معظم إيرادات المنافذ الحدودية بينما يذهب الجزء اليسير منها إلى خزينة الدولة العراقية.
وتُقدَّر الإيرادات السنوية المُفترض تحقيقها من المنافذ الحدودية بنحو "عشرة مليارات دولار سنويًّا، لا يصل منها إلى خزينة الدولة العراقية سوى 2.4 مليار دولار" (11)، أي إن إيرادات "الفصائل المتنفذة" والأحزاب السياسية التي هي في حقيقتها أجنحة سياسية للفصائل المسلحة، تحقق ما يصل إلى 7.6 مليارات دولار سنويًّا.
وتقدر عائدات الفساد المالي في منفذ القائم الحدودي الخاضع بشكل ما لسيطرة "الفصائل المتنفذة"، بملايين الدولارات شهريًّا من عمليات "تهريب المواشي والسلع والأسلحة" (12) عبر المنافذ غير الرسمية، التي تحولت إلى "معبرٍ رئيسي لعمليات تهريب النفط والسلاح والمخدرات" (13) أيضًا.
وتُسيطر عصائب أهل الحق، وهي من كُبرى "الفصائل المتنفذة" التي تتشكل منها الدولة الموازية على ما يصل إلى "80 بالمئة من إيرادات منفذ الشيب الحدودي مع إيران" (14).
رابعًا: القدرات القتالية للدولة الموازية
بموجب قانون هيئة الحشد الشعبي الذي أقرَّه مجلس النواب العراقي، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، فإن الحكومة الاتحادية ووزارة الدفاع ملزمتان بتأمين متطلبات التجهيز والتسليح لتشكيلات الحشد الشعبي باعتباره "تشكيلًا عسكريًّا مستقلًّا وجزءًا من القوات المسلحة العراقية" (15).
وخلال معارك استعادة المدن في الحرب على تنظيم الدولة، بين يونيو/حزيران 2014 وديسمبر/كانون الأول 2017، فإن فصائل الحشد الشعبي تجهزت عبر الحكومة العراقية أو المساعدات التي قدمتها إيران مثل "التدريب والمشورة، وأيضًا السلاح الثقيل والمعدات العسكرية" (16).
بالإضافة إلى تخصيصات "مستقلة" من الموازنة الاتحادية لشراء الأسلحة بلغت في موازنة 2019 على سبيل المثال، 80 مليون دولار من أصل 906 ملايين دولار لوزارتي الدفاع (600 مليون) والداخلية (146 مليونًا) وجهاز مكافحة الإرهاب (80 مليونًا).
ليس من الواضح حجم التسليح للفصائل المتنفذة في الحشد الشعبي، لكن متابعة المعارك التي خاضتها ضد تنظيم الدولة تشير إلى استخدام سيارات رباعية الدفع حديثة وراجمات الصواريخ وصواريخ الكاتيوشا والرشاشات الرباعية والأحادية وعجلات الهمر الأميركية المدرعة ومدرعات روسية وأميركية وناقلات جنود مدرعة ودبابات روسية "T72" وكاسحات ألغام ومدافع مختلفة العيارات، وصواريخ محمولة مضادة للدروع، بالإضافة إلى تطوير منصات إطلاق الصواريخ على بعض أنواع العجلات، وزيادة مديات الصواريخ الميدانية والطائرات المسيرة وغير ذلك.
لكن التطور الأبرز في التسليح النوعي للفصائل المتنفذة، مواصلة إيران تزويدها بالمزيد من "الصواريخ البالستية" (17)، التي يمكن لها أن تشكِّل تهديدًا لدول الجوار الحليفة للولايات المتحدة، أو التي لها علاقات متوترة مع إيران.
وتتحكم "إيران بعملية إطلاق الصواريخ" (18)، بينما لا تستطيع الحكومة العراقية منع "الفصائل المتنفذة" من إطلاق الصواريخ على المصالح الأميركية في العراق، أو مصالح الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، مثل السعودية التي تعرضت خطوط أنابيب نفط في عمق أراضيها، في 14 مايو/أيار 2019، لهجمات انطلقت من "جنوب العراق" (19) وليس من اليمن.
وأظهر الاستعراض المركزي للحشد الشعبي في معسكر "أبو منتظر المحمداوي" في ديالى (معسكر أشرف سابقًا) مجموعة كبيرة من الأنظمة الدفاعية والآليات المدرعة والطائرات المسيرة وغيرها مما جعل قواته تبدو كقوة جيش نظامي في موازاة قوة وقدرات الجيش العراقي أو تتفوق "نوعيًّا" عليه.
ونشر عدد من الحسابات التابعة للفصائل المتنفذة أو المقربة منها في موقع التليغرام، عشرات التسجيلات المصورة ومئات الصور للاستعراض أبرزت فيها المزيد من الآليات والمعدات القتالية المتطورة، ونقلت صورًا لمحطات "سراج المحمولة" على عجلات عسكرية، وهي محطات للقيادة والسيطرة مرتبطة بالأقمار الصناعية مهمتها مراقبة المناطق الحدودية والمناطق ذات الأهمية لتلك الفصائل، مثل القواعد الأميركية.
كما ظهرت في الاستعراض مركبات من نوع "طوفان" المضادة للألغام، التي تستخدم من قبل "الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي والجيش السوري" (20).
واستعرضت "الفصائل المتنفذة" أنواعًا من قاذفات الصواريخ 122 ملليمترًا من طراز "رعد 24" و"رعد 36" مثبتة على شاحنات إيرانية الصنع، ودبابات من طراز "T-72" (21)، و"دبابات T 90" (22) الروسية.
كما ظهر عدد من محطات التحكم الأرضية المزودة بأجهزة رادار بعيدة المدى، بالإضافة إلى معدات إلكترونية للتتبع بعيد المدى، ومعدات لتحديد المواقع الجغرافية للطائرات المسيَّرة، وغير ذلك من الجهد العسكري للقوة الجوية للحشد الشعبي التي تشكَّلت (23) في 5 سبتمبر/أيلول 2019.
وخلال الاستعدادات للاستعراض المركزي، نشرت حسابات ومواقع إخبارية مقربة من "الفصائل المتنفذة" صورًا وتسجيلات أظهرت طائرات مسيرة محمولة على سيارات رباعية الدفع، منها "طائرات سايا" (24) إيرانية الصنع مخصصة للاستطلاع، وطائرات "مهاجر-6" (25) المسلحة بذخائر شديدة الانفجار والمعروفة بدقة إصابتها للأهداف من خلال توجيهها عبر منظومة تحديد المواقع العالمي (GPS).
لقد أظهر الاستعراض المركزي تفوق القوات الجوية التابعة للحشد الشعبي في مجال الطائرات المسيرة على القوة الجوية التابعة للحكومة العراقية التي "لا تمتلك طائرات مسيرة، إنما تمتلك طائرات استطلاعية بقيادة طيارين" (26).
خطوات الدولة العراقية في مواجهة( الدولة الموازية):
أصدر رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، في الأول من يوليو/تموز 2019، أمرًا ديوانيًّا برقم 237 يقضي بوجوب أن "تعمل جميع قوات هيئة الحشد الشعبي كجزءٍ لا يتجزأ من القوات المسلحة وبإمرة القائد العام للقوات المسلحة" (27)، إضافةً إلى غلق جميع المكاتب الاقتصادية لها بحلول تاريخ 31 يوليو/تموز 2019.
لكن فصائل الحشد الشعبي التي أعلنت التزامها بتنفيذ الأمر الديواني والتقيد "بغلق أي وجود في المدن تحت أي مسمى اقتصادي"، طلبت "مهلة شهرين" (28) إضافيين لتنفيذ الأمر، بينما "رفضت" (29) في الواقع، تنفيذ الأمر.
ومنذ توليه منصبه في مايو/أيار 2020، تبنَّى الكاظمي التقدم بخطوات "بطيئة وحذرة" باتجاه فرض سلطة الدولة على سلاح المجموعات الحليفة لإيران وإضعافها بالضغط على مصادر تمويلها، وإجراء تغييرات في القيادات الأمنية والعسكرية المقربة من تلك المجموعات، بالإضافة إلى اعتقال أو محاسبة بعض القيادات والعناصر التي تهدد أمن الدولة باستهداف البعثات الدبلوماسية والمصالح الأجنبية في العراق.
واتخذ رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، المزيد من الخطوات لاستعادة هيبة الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية لتحجيم جزء من نفوذ المجموعات الشيعية شبه العسكرية الحليفة لإيران، أي "الفصائل المتنفذة" التي ارتبطت ببيعة "شرعية" للمرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي.
ومن بين أهم الخطوات التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، للحد من نفوذ المجموعات المسلحة الحليفة لإيران واستعادة قرار مؤسسات الدولة العراقية الأمنية والعسكرية والاقتصادية:
أولًا: إجراء تغييرات لقيادات أمنية وعسكرية
حاول الكاظمي إبعاد بعض القيادات الأمنية والعسكرية الحليفة أو المقربة من "الفصائل المتنفذة" بعد أن أدرك واقع تحدي سلطة الدولة بنزول المسلحين إلى شوارع العاصمة، بغداد، في أكثر من مرة.
ولإضعاف القيادات القريبة من إيران، أو الحليفة لها، والحد من تأثير "مئات المستشارين الإيرانيين" (30) عليهم، أجرى مصطفى الكاظمي عددًا من التغييرات في هيكلة وبُنية المستويات القيادية العليا في بعض المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وأقصى الكاظمي رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، الموصوف أميركيًّا بأنه "وكيل إيراني" (31) من منصبي رئيس جهاز الأمن الوطني ومستشار الأمن الوطني، في 4 يوليو/تموز 2020، وعيَّن القائد السابق لقوات جهاز مكافحة الإرهاب، مرشَّح ساحات التظاهر لخلافة عادل عبد المهدي (32)، الفريق المتقاعد عبد الغني الأسدي، بدلًا منه في منصب رئيس جهاز الأمن الوطني، وقاسم الأعرجي مستشارًا للأمن الوطني (33).
ويحتفظ الأعرجي، القيادي في منظمة بدر ووزير الداخلية السابق، بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وكل من إيران وقيادات الحشد الشعبي، لذلك قد يجد فيه الكاظمي لاعبًا فاعلًا في التخفيف من حدة التوترات بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة من جهة، والمجموعات الحليفة لإيران من جهة أخرى.
ويُنظر إلى التعيينات الجديدة بأنها حملة منسقة يقودها رئيس الوزراء تهدف إلى تعزيز قدرات القوات الأمنية على فرض القانون وإنفاذه للحد من تنامي نفوذ القوى الحليفة لإيران في مؤسسات الدولة العراقية الأمنية والعسكرية والسياسية بشكل تدريجي.
من الناحية الواقعية، فإن الكاظمي سيكون بحاجة إلى المزيد من الوقت يتجاوز فترة رئاسته "الانتقالية" لإعادة ترتيب المؤسسات الأمنية والعسكرية بعد تعيين قيادات جديدة على رأس جهاز مكافحة الإرهاب ومستشارية الأمن الوطني التي كانت منذ عام 2014 تحت رئاسة فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي المتهم من الولايات المتحدة بأنه "وكيل إيراني" في العراق.
ثانيًا: تجفيف الموارد المالية
مع تراجع الأداء الاقتصادي بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط في السوق العالمية خلال أعوام 2018 و2020، وتبعاتها على حكومة مصطفى الكاظمي "الانتقالية"، وفي محاولة منه لتعويض العجز في الخزينة العامة للدولة، وبهدف إضعاف القدرات المالية للفصائل المتنفذة التي تُسيطر على الجزء الأكبر من إيرادات المنافذ الحدودية، اتجه الكاظمي لتحريك ملف الفساد المالي في المنافذ الحدودية واستعادة سيطرة الدولة على المنافذ المهمة ذات الإيرادات العالية، مثل منفذي المُنذرية ومندلي الذي "يخضع لسيطرة الفصائل المسلحة الحليفة لإيران"(34).
ومنذ 11 يوليو/تموز 2020، خصصت قيادة العمليات المشتركة بأوامر من الكاظمي "قوات نخبة للسيطرة على منفذي مندلي والمُنذرية بشكل دائم لمكافحة الفساد" (35).
وتتشكَّل قوات النخبة من عناصر من فرقة "قوات الرد السريع والحشد الشعبي" (36) ، التي تضعها الولايات المتحدة في "القائمة السوداء" (37)، ويقودها القيادي في منظمة بدر، اللواء ثامر محمد إسماعيل (أبو تراب الحسيني)، والذي تدور حوله شبهات بمسؤوليته عن "نشر قنَّاصين لاستهداف المتظاهرين" (38).
لذلك، فإن الاعتماد على قوات يقودها مقربون أو منتمون للفصائل والأحزاب المتنفذة، "قد" لا يؤدي إلى سيطرة الدولة على كافة إيرادات المنافذ الحدودية والقضاء على الفساد المالي فيها.
تحدي الدولة الموازية للدولة العراقية
في حادثتين منفصلتين، فشل رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، في إثبات قدرة الدولة على مواجهة "الفصائل المتنفذة".
يأتي فشل الكاظمي على الرغم من دعم الرئاسات الثلاثة (الجمهورية ومجلسي الوزراء والنواب) ومجلس القضاء الأعلى (39)، وكذلك دعم المرجعية الدينية لـ"تهدئة الأوضاع واستعادة هيبة الدولة"، ومنع تأثيرات "المال أو السلاح غير القانوني على أجواء الانتخابات" (40) في إشارة إلى تأثير سلاح "الفصائل المتنفذة" على الانتخابات القادمة المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول القادم.
ومن مصادر قوة الكاظمي الأخرى، إمكانية استثماره دعم الكثير من الأحزاب والكتل السياسية غير المرتبطة بالفصائل المسلحة، والحركة الاحتجاجية، ووجود قوة جهاز مكافحة الإرهاب المدربة على عقيدة عسكرية أميركية تنفرد بكونها بعيدة "نسبيًّا" عن التخندق الطائفي، وتوظيف إعادة "عبد الوهاب الساعدي" المرفوض من قبل إيران وحلفائها، إلى الخدمة بعد ترقيته رئيسًا للجهاز، لقيادة أية حملة عسكرية تهدف إلى تقويض قدرات "الفصائل المتنفذة".
في 25 يونيو/حزيران 2020، تم تكليف جهاز مكافحة الإرهاب بتنفيذ واجب إلقاء القبض على 14 متهمًا من مقر تابع لكتائب حزب الله العراق في إحدى مزارع منطقة الدورة جنوبي العاصمة، بغداد، لمسؤوليتهم عن استهداف المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي بالنيران غير المباشرة عدة مرات.
لكن مجموعات من مسلحي "الفصائل المتنفذة" يستقلون عجلات حكومية اقتحموا المنطقة الخضراء دون اتخاذ أي إجراءات من القوة الأمنية المكلفة بحماية المنطقة التي "استجابت لتعليمات" (41) قيادي بارز حليف لإيران بألا تقف في طريق المسلحين الذين سيقتحمون المنطقة الخضراء.
وفي دلالة على ضعف الدولة في مواجهة "الفصائل المتنفذة" وعدم القدرة على محاكمتهم، وأخذ تهديداتها على محمل الجد خشية المواجهة معها، أطلقت الجهات الحكومية المسؤولة سراح جميع "الذين اعتُقلوا من قبل جهاز مكافحة الإرهاب لعدم كفاية الأدلة" (42) في غضون أيام (43)، لا تكفي لإجراء التحقيقات الأصولية وفق القانون وعرضهم على المحاكم المتخصصة.
وفي حادثة مماثلة، ألقت قوة أمنية عراقية القبض على قائد عمليات الحشد الشعبي في غرب الأنبار، قاسم مصلح، فجر 26 مايو/أيار 2021، بتهم تتعلق بالإرهاب (44)، والذي "أُطلق سراحه" (45) بعد أيام فقط من اعتقاله استجابة لضغوط واجهها رئيس الوزراء وتهديدات من "الفصائل المتنفذة" (46).
حاول الكاظمي من خلال قراره مداهمة موقع تابع لكتائب حزب الله العراق واعتقال القيادي في الحشد الشعبي، قاسم مصلح، استعادة جزء من هيبة الدولة ومؤسساتها المرتهنة لنفوذ قيادات الحشد الشعبي عمومًا، والحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي الذي هو الآخر رهن إرادة "الفصائل المتنفذة" المسلحة الحليفة لإيران، والتي أثبتت قدرتها على تحدي القوات الأمنية والحكومة الاتحادية بخروج أرتال من عجلاتها المسلحة، والتجوال في شوارع العاصمة بكامل أسلحتها واقتحام المنطقة الخضراء التي هي مركز الحكم في العراق دون أي إجراء من القوات الأمنية.
تحديات الحكومة في مواجهة الدولة الموازية
أولًا: حصر السلاح بيد الدولة
بعد تكليفه رسميًّا بتشكيل الحكومة خلفًا لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، تعهد مصطفى الكاظمي، في أبريل/نيسان 2020، بـ"حصر السلاح بيد الدولة عبر إجراءات حاسمة" (47).
وتتحرك "الفصائل المتنفذة" بعجلات حكومية دون أخذ موافقات رسمية من الجهات المعنية، وهي فصائل تصفها الحكومة العراقية بأنها "جهات مسلحة لا تريد أن تكون جزءًا من الدولة والتزاماتها" (49).
ومع أن الحكومة العراقية تمتلك ما يكفي من القناعة التي تؤكد على وجود (السلاح المنفلت) بيد "الفصائل المتنفذة" خارج سلطة الدولة، لكنها لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات لتقويض القدرات التسليحية للفصائل أو نزع أسلحتها.
ثانيًا: ضعف القوات الأمنية
في أغلب الحالات لا تلتزم "الفصائل المتنفذة" بالعمل تحت قيادة هيئة الحشد الشعبي التي ترتبط بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، وتتخذ قراراتها بشكل مستقل سواء ما يتعلق بالتحركات العسكرية أو هيكلها التنظيمي، أو علاقاتها مع الحرس الثوري وحركة مقاتليها داخل العراق وخارجه، وكذلك مواقفها السياسية وعملياتها العسكرية داخل العراق وخارجه.
وتكتفي القوات الأمنية بنشر المزيد من قواتها دون الدخول في مواجهات مع "الفصائل المتنفذة" بعد أي هجمات تُنفذها هذه الفصائل، أو ضد تحركاتها بعجلات مسلحة في شوارع العاصمة أو اقتحام مركز الحكم، أي المنطقة الخضراء ببغداد.
ولا يبدو أن الكاظمي يمتلك ما يكفي من الإمكانيات والقدرات لتنفيذ وعوده التي ألزم نفسه بها بالسيطرة على السلاح خارج سلطة الدولة، لإدراكه أن قوة ونفوذ تلك "الفصائل المتنفذة" قد يتسببان في نشوب "حرب أهلية" كما كان قد أشار من قبل، مؤكدًا أن هناك مخاطر جدية في إمكانية إدخال العراق بحالة من الفوضى الأمنية خلال ساعات إذا قرر قادتها ذلك وإمكانية الدخول إلى المنطقة الخضراء باعتبارها مركز الحكم والسيطرة عليها بعد تطويقها بكل سهولة.
يواجه الكاظمي تحدي إقناع القوات الأمنية بالدخول في قتال مع "الفصائل المتنفذة" التي تستمد شرعية وجودها من فتوى "الجهاد الكفائي" التي أطلقها المرجع الديني، علي السيستاني، في 13 يونيو/حزيران 2014، وقرار مجلس النواب، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، الذي منحها الشرعية الدستورية، بالإضافة إلى واقع التداخل الاجتماعي بين مقاتلي هذين الفريقين واعتقاد أفراد القوات الأمنية بشرعية وجود "الفصائل المتنفذة" التي هي جزء من شرعية قوات الحشد الشعبي.
ولا تزال "الفصائل المتنفذة" تتلقى دعمًا خارجيًّا، وهي بالأساس تمتلك منظومة مالية مقتدرة عززتها المكاتب الاقتصادية، ومنظومة تسليحية متقدمة إلى حدٍّ ما سواء عن طريق الدعم الخارجي، أو عن طريق التصنيع والتطوير الخاص بها.
ويدرك رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، المخاطر الحقيقية من مواجهة "الفصائل المتنفذة" وقدرتها على إدخال العراق في فوضى أمنية إلى جانب احتمالات سيطرتها على السلطة بالكامل كما حدث في صنعاء، عام 2014، وهو احتمال له نسبة معتبرة قد تلجأ إليه تلك الفصائل في حال وجدت تهديدًا جديًّا يُهدد وجودها.
لذلك، لا تبدو أي احتمالات واقعية لنهاية "الدولة الموازية" في المدى المنظور، بل على العكس من ذلك فإن هذه الدولة مستمرة في تعزيز قدراتها القتالية والاقتصادية وتوسيع مساحة نفوذها السياسي في مراكز القرار سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية.
كنا قد علقنا على تقرير صحيفة «الغارديان» البريطانية حول خط العبور الإيراني نحو البحر الأبيض المتوسط في مقالة صدرت بتاريخ 18/12/2016، تحت عنوان: «صيحة نذير: حلب والموصل في الطريق إلى يالطا»، ونشرت في موقع «المراقب»، وعلى حساباتنا في مواقع التواصل الاجتماعي، وغطينا الموضوع برمته في حلقة على قناة «صفا» الفضائية .
في 16/5/2017 نشرت الصحيفة البريطانية موضوعا ذا صلة ، يتعلق بتغيير خط العبور الأول الذي يبدأ من: « طهران – بعقوبة – الشرقاط – سنجار- ربيعة – القامشلي – كوباني – حلب – إدلب – حمص – اللاذقية، ثم المتوسط. أما الخط الجديد فيبدأ من: « طهران – بغداد – الشرقاط – تلعفر – دمشق – حمص – اللاذقية»، مبتعدا بذلك، عن المناطق الكردية في الشمال السوري، القامشلي وكوباني وحلب وإدلب. ومتجها نحو الجنوب بحوالي 140كم لتجنب الاحتكاك مع القوات الأمريكية التي نزلت في مناطق الشمال.
لعل هذه التغيرات هي التي تفسر توجه القوات السورية النظامية والمليشيات الشيعية باتجاه مناطق شهدت صدامات مؤخرا وحتى تدخلات أمريكية عسكرية. بطبيعة الحال ثمة معطيات كثيرة تؤكد ما يجري على الأرض. لكن أهم ما في الأمر أن الصراع الأمريكي مع الإيرانيين ليس على العبور الإيراني باتجاه المتوسط بقدر ما هو على الدور الذي على إيران أن تلتزم به وفق صياغات النظام الدولي وترتيباته الجارية للمنطقة.
وفي ذات السياق من التدخل الأمريكي ينبغي ملاحظة أن الأمريكيين بزعامة ترامب يميلون إلى «اليهودية» و «إسرائيل» في مواجهة إيران، وفق مصالح أيديولوجية وليس دولية. وهذا يتوافق مع قلق «إسرائيل» التي تبدي مخاوفا من صعود وثبات المربط الفارسي الذي سيخصم فعليا من رصيدها ومكانتها. فهل
مع أن مقالة « الغارديان» أقرب للخبرية من أي تحليل، إلا أنها تبقى مهمة من حيث متابعة هذا الملف الذي يبدو ان الصحيفة البريطانية تهتم به على وجه الخصوص
إيران تغير مسار الطريق إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط لتجنب القوات الأمريكية
صحيفة الغارديان البريطانية
مارتن شولوف مراسل الشرق الأوسط
ممر بري جديد للتحرك 140 ميلا باتجاه الجنوب لتجنب تجمع القوات الأمريكية التي تم تجميعها في شمال شرق سوريا لمحاربة تنظيم الدولة
قامت إيران بتغيير مسار الممر البري الذي تهدف من خلاله إلى شق طريق لها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط بعد خشية المسؤولين في العراق وطهران من تزايد الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا مما أدى إلى أن يصبح مسارها الأول غير مجدي.
لقد تم نقل الممر الجديد بنحو 140 ميلا باتجاه الجنوب لتجنب تجمع القوات الأمريكية التي تم تجميعها لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وسوف تستخدم الآن بلدة الميادين التي يحتلها تنظيم الدولة كمركز في شرق سوريا متجنبة بذلك الشمال الشرقي الكردستاني الذي سبق أن قال عنه القادة الإيرانيون بأنه مسار مهم للغاية.
تلك التغيرات أمر بها قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني وزعيم جبهة الحشد الشعبي في العراق حيدر العامري الذي تمكنت قواته ذات الغالبية الشيعية من الاقتراب من بلدة بعاج العراقية وهي حلقة وصل رئيسية في الممر المخطط له والتي يتمركز فيها زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي معظم السنوات الثلاث الماضية.
طريق طهران إلى البحر
حاولت إيران طوال الحرب مع الجماعة الإرهابية ومنذ عدة سنوات قبل ذلك أن تضع لها مناطق نفوذ عبر العراق وسوريا تتحكم بها هي ووكلاؤها. ولكن أضاف الصراع السوري مع تشكّل المشروع أبعادا جديدة غير محسوبة جعلت من تأمين مثل هذا الممر صعبا بشكل متزايد.
لقد أثار تجمع قوات الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا قلق المسؤولين في بغداد وطهران. وقالت مصادر عراقية رفيعة المستوى لصحيفة الجارديان إن القادة الإيرانيين يعتقدون أن الوجود المتصاعد يهدف إلى الحد من طموحات طهران.
يقول مسؤول عراقي رفيع المستوى « ردا على ذلك فإنهم يبذلون كل ما في وسعهم للانتهاء من هذا الممر بأسرع ما يمكن. وهذا يعني الانتهاء من بعاج بأسرع ما يمكن ثم طرد تنظيم الدولة من الميادين ودير الزور. إنهم يريدون القيام بذلك قبل وصول الأميركيين إلى هناك».
لقد أصبحت بعاج صيد مهم خاصة مع دخول الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق مرحلة نهائية. ففي الوقت الذي تواصل فيه الشرطة العراقية ووحداتها العسكرية الضغط على الموصل فقد بدأت الميليشيات الشيعية التي تمركزت خلال الأشهر السبعة الماضية في تلعفر شمال غرب المدينة الثانية في العراق بالاندفاع خلال عطلة نهاية الأسبوع لتصل على بعد ثلاثة كيلومترات من ضواحي مدينة بعاج.
يقول المراقبون بأن تنظيم الدولة يقاتل بشراسة للدفاع عن البلدة التي ظلت بؤرة للمقاتلين الجهاديين السلفيين منذ الغزو العراقي الذي قادته الولايات المتحدة قبل 14 عاما. ويعتقد مسؤولو الاستخبارات في المنطقة بأن البغدادي كان متواجدا في البلدة منذ شهر آذار / مارس الماضي، وأن العديد من التقارير ذكرت بأنه كان هناك في شباط / فبراير ومعظم وقت معركة استعادة الموصل.
إن سقوط بلدة بعاج سيكون مدمرا لتنظيم الدولة التي تقلص وجودها في العراق وسيجعل أجزاء من محافظة الأنبار تصبح آخر معاقلها المتبقية التي بدأت الجماعة الإرهابية مسيرتها منه قبل أكثر من عقد من الزمن.
كلما فقد تنظيم الدولة المساحات على الأرض في العراق كلما انتقل التركيز أكثر إلى المرحلة الأخرى وربما النهائية للحرب وهي الضغط باتجاه الاستحواذ على معاقل التنظيم الأخيرة في سوريا والتي تشمل الرقة ودير الزور. لم يتم بعد الانتهاء من تشكيل القوة التي سيتم إرسالها إلى كلا المدينتين مع استمرار الولايات المتحدة في دعم الجماعات الكردية السورية إلى حد إغضاب حليفتها تركيا التي تدفع الوحدات العربية التي تدعمها للقيام بهذه المهمة.
لقد جعل هذا الصراع السياسي ساحة المعركة في سوريا أكثر تعقيدا مما أجبر إيران على تغيير المسار لأحد أهم أهدافها طويلة الأجل، وقد كان يبدو فيما سبق بأن تقدمها كان على أسس مضمونة.
لقد اختير الممر في سوريا لتميزه بأقل قدر من الاضطراب وهو يبدأ من الحدود الإيرانية إلى جلولاء في محافظة ديالى مارا عبر جنوب الموصل إلى الشرقاط ثم شمالا إلى تلعفر. إن المحور إلى الغرب الذي يتجاوز سنجار قد أرغم القوات المدعومة من إيران إلى القتال المباشر مع تنظيم الدولة، وهذا يخدم هدف من شقين: أولا يسمح بالقيام بدور متزايد في الحرب، وثانيا يضع حجر الأساس للممر الجديد.
الخطة تم القيام بها من قبل الميليشيات الشيعية بأوامر إيرانية. وقامت بمنح الأقليات قوة لتأمين المساحات على طول الممر. فمقاتلو حزب العمال الكردستاني الذين كانوا قد أتوا من تركيا كانوا الجماعة الرئيسية الذين أمّنوا المساحات من جبل سنجار إلى الحدود السورية ولكن التغيير في الخطة قد أخذ الممر إلى الجنوب.
يقول مسؤولون عراقيون إن « الممر الذي تم اختياره حديثا يبدأ من دير الزور إلى السخنة إلى تدمر ثم إلى دمشق وإلى الحدود اللبنانية حيث يمكن تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في تقوية حزب الله جزئيا من خلال مقايضة ديموغرافية». ومن هناك يتم ربط الطريق إلى اللاذقية والبحر الأبيض المتوسط، مما يعطي إيران خط إمداد يتجنب مياه الخليج الفارسي الذي تقوم دوريات كثيفة بحراسته.
((مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا أفضل هذه الأمّة، أبرّها قُلُوبًا وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا))!!!!
والفتنة المقصودة هي-والله أعلم- أن ينتكس المسلم، وينقلب الداعية أو العالم في الفكر والعقيدة والدين، فبعد أن يكون داعية يصدح في كل منابر الدعوة، ومجلاتها، ويؤلف في الردود على أصحاب التوجهات الفاسدة والمفسدة، وإذا به ينقلب على عقبيه، وإذا بداعية الأمس مفتون اليوم، بل فتان غيره، مضل له، فيدعو إلى الضلال والزندقة، بل والكفر أحيانا!!!
إن تلك الظاهرة لم تعد ظاهرة خافية، بل هي ظاهرة في العلن، وبات أصحابها لا يستحون من الجهر بالكفر والزندقة والضلال، إنما أصبحوا يدعون الناس البسطاء للاقتداء بهم، ومجاراتهم فيما يذهبون إليه.
إن هذه أمور بتنا نشاهدها جهارا نهارا عيانا، محتجون أصحابها ودعاتها بحجج كثيرة، مثل حجة عدم الاقتناع أو بحجة الإرهاب أو محاولة التفلت من أحكام الشرع، أو بحجة تجديد الخطاب الديني، وقد رأينا من ضلال هؤلاء من لا يعترف بالسنة، فأداه ضلاله إلى نكران بعض الصلوات، ومنها صلاة العصر والجمعة، ومنهم من يريد دينا إنسانيا يسع الجميع، شعاره المحبة والسلام، دون تكفير ولا تفسيق ولا شيء من ذلك، ومنهم من جعل على رأس الأولويات والمقاصد، الحريات، ضاربا بعرض الحائط أولويات الدين والنفس وغيرها، ومنهم يرفع لواء القرآن فقط، ومنهم من يلمز ويطعن بسلف الأمة، وبخاصة علماء الحديث ويضفي عليهم صفات التملق والتزلف والتحرك للسياسة والمصلحة، وغير ذلك مما تموج به الساحة الفكرية، والأغرب أن القنوات والمراكز الإعلامية تفتح صدرها لهم، وتقربهم وتطلق لهم العنوانات الكبيرة، وتضفي عليهم صفات المفكر والمجدد وغير ذلك من ألقاب التمجيد!
وليت الأمر اقتصر على الرجال، بل النساء رفعن لواء المعارضات الفكرية، وولجن هذا الباب، من خلال الفكر والحريات والطاقة والتنمية البشرية وغير ذلك، وبتن يؤثرن على غيرهن في الحجاب والسلوك والعبادات!!!
إنها موجة إلحاد عالية المد، وقوية التأثير، ولا بد من مجابهة لها، وأن يتفرغ لها بعض الدعاة، الواعين العالمين بأصول الشرع، لا بتفنيد الشبهات فحسب، بل بتأصيل الأصول، وتقعيد قواعد الدين، وبسط الدين غضا طريا كما أنزل، والتركيز على قضية الحديث والسنة، لأنها من أكبر القضايا التي يلج فيها هؤلاء، فيبدأون بحديث الآحاد، ثم يسحبون هذا على كل التراث وعلى كل رجالاته، جهلا منهم وغفلة!
إن من يتولى كبر هذه المسائل، علماء من كل الاتجاهات، وممن كانوا دعاة في حركة كبرى، وكانت من أصولهم، عودة الدين والشريعة، واليوم هم أول من ينقض هذا الشعار، ويريد انشاء دين خال من الاسلام، من خلال القراءات الأخرى أو القراءة الثانية للتراث، بل القراءة الأخرى للقرآن والحديث والتفسير وأصول الفقه، أو تقديم كل شيء، مثل المقاصد والعرف والواقع ومصلحة الدعوة، والمصلحة السياسية الموهومة، وغيرها على نصوص الوحي المعصوم، دون التفات إلى أي مسوغات أو قواعد التنزيل أو مناط الخطاب وغير ذلك، ويعتمد البعض على أقوال الشاطبي بعد تمزيقها وتأويلها، وأقوال الطوفي وغيرهما، ومع كل هذا، فهم ينبذون أقوال السلف مثل الطبري والشافعي وابن حنبل وابن تيمية وابن القيم بل والبخاري ومسلم وأصحاب السنن، ومنهم من يستهزئ بأقوالهم ويعيب عليهم فهمهم، بل يطالب بفهم مختلف لأنهم عاشوا في عصر مختلف، ومن الطرافة والغرابة ادعاء البعض أننا نملك المعرفة أكثر منهم، وفهمنا أوسع من فهمهم لأننا في عصر التكنلوجيا والتقدم والعلوم!
أنا لا أتحدث هنا عن زنادقة، أو ملحدين، أو كفار، إنما أتحدث عن أصحاب عمائم علمية، وعمائم فكرية، ومن أبناء الحركة الاسلامية، ومنهم من جلسنا نقرأ لهم سنوات نتعلم منهم ونتربى!! وغيرهم، ولكننا فوجئنا بهذه الانتكاسات التي لا حصر لها!
ويتساءل المرء عجبا، كيف كانت الردة الفكرية هذه عند هؤلاء؟ ولماذا؟
نعم! إنها ردة عصر بكل معنى الكلمة، وليس بالضرورة أن تكون ردة عن الدين، إنما هي بدايات مخيفة للردة عن الإسلام، والغريب تغافل الدعاة والمصلحين، بل ويأس بعضهم عن المشاركة في الدفاع عن هذا الدين وعن رجالات التراث وعظماء الإسلام وعلمائه، إنه لا عذر لأحد اليوم، وهو يرى استباحة الكثيرين لساحة هذا الدين، وتطاولهم جهلا وغباء على أصوله، وعلى تراثه، وعلى رجاله، ثم لا ينطق، ويظل صامتا، دون حراك، إنها لمصيبة كبرى هذا الشلل الدماغي عن البعض!
ولا أريد هنا أن أسمي، فالأسماء لا تعنينا كثيرا، بقدر ما تعنينا الفكرة نفسها والتحولات الفكرية الضخمة، إننا لا ندعو إلى الجمود، ولكننا كذلك لا نريد الانفلات، فلا تبقى لنا أصول ولا يوجد لنا مرجعية وهوية نحتكم إليها، إن التجديد مطلوب، ولكنه ليس بنبذ الأصول والتراث والقيم!
ولهذا مقالة أخرى باذن الله تعالى!
استنهاض الأقلام:
إنها دعوة استنهاض كل صاحب قلم، وكل صاحب هم، وكل صاحب علم، أن يقف سدا منيعا، فيقول لا يهدم الدين وأنا حي، كما قالها الصديق رضي الله عنه، في أحلك ظروف الأمة، وكما قالها ابن حنبل في المحنة
إنها دعوة استنهاض كل صاحب قلم، وكل صاحب هم، وكل صاحب علم، أن يقف سدا منيعا، فيقول لا يهدم الدين وأنا حي، كما قالها الصديق رضي الله عنه، في أحلك ظروف الأمة، وكما قالها ابن حنبل في المحنة الكبرى، ونقولها، ونحن في عافية وستر، أمامنا الكمبيوتر واستخدام الشبكة العنكبوتية، وأنت مستريح في بيتك، أيعجزك ذلك!!
السياسة هي فن إدارة الشأن العام ، سواء على مستوى النظم السياسية والحكومات أو على مستوى الأحزاب المعارضة أو اي مشتغل بالشأن العام ، وفن الإدارة السياسية يقتضي مراعاة التوازن والحفاظ على السلام الاجتماعي واستقرار الدولة وتفكيك أي مسببات للتوتر الشديد أو ما يسبب إثارة للشعور الجمعي ومن ثم للقلاقل في البلاد ، وفي هذا السياق تكون هناك فكرة "المواءمات" في القرارات السياسية وما يتعلق بها ، فإذا غابت تلك "المواءمات" ظهر الاضطراب في القرار السياسي وفتح الباب أمام توترات لا معنى لها وكان يمكن تخطيها بسهولة . تعاني مصر الآن من اتهامات دولية بما يسمى "عسكرة الدولة" ، وتتحدث صحف عالمية ووكالات أنباء عالمية في تقارير عديدة عن هذا المعنى ، بصيغة أو أخرى ، ولسنا هنا في مجال دفع الاتهام أو تفسيره أو تأويله ، وإنما في مجال رصد ما يجري حولنا ، فهل هذا السياق الذي تحياه مصر ، وفي ظل تلك الاتهامات والشبهات التي ينثرها آخرون بالحق أو بالباطل ، يتم اختيار المتحدث العسكري السابق باسم القوات المسلحة ليكون نائبا لرئيس حزب المعارضة الرئيسي أو مساعدا له ؟ ، هل هذه الخطوة تحترم أي قاعدة من قواعد "المواءمات السياسية" في أي بلد يعرف ألف باء السياسة ؟ ، هل انضمام العميد محمد سمير لحزب الوفد ليكون مساعدا لرئيسه الجديد والذي هو والد مستشار رئيس الجمهورية ، هل هذه الخطوة تمثل خدمة للاتهامات الدولية المشار إليها أم نفيا لها ؟ . أيضا ، عندما يتحدث رئيس الجمهورية عن صعوبة الإنفاق على البنية الأساسية للبلاد وتحديث بعض قطاعاتها الحيوية مثل هيئة السكك الحديدية ، لقلة المال ، وأن الدولة بحاجة إلى شد البطون وتقليل الإنفاق ، ثم يقول أنه مضطر لرفع الأسعار على الخدمات الرئيسية التي تمس ملايين الفقراء والبسطاء ، مثل رفع أسعار المواصلات العامة وشبكة المترو ورفع أسعار الوقود لتغطية هذا النقص الذي تعانيه الدولة ، وأن على الفقراء أن يتحملوا ، وأنه يتفهم تضحياتهم ، ثم في نفس الوقت تصدر القرارات والتشريعات التي ترفع رواتب الوزراء وكبار المسئولين في الدولة بنسب كبيرة للغاية ، ويصدق رئيس الجمهورية على تلك القرارات ، فهل هذا التناقض يبعث برسالة إيجابية إلى الناس ، إلى الشعب ، أم أنه يعطي الرسالة الأكثر خطورة ، وهي أن ما يعني القيادة هم فئة صغيرة من معاونيها ومسانديها ، وبقية الشعب لا اعتبار له ، وعليه أن يقبل ما يملى عليه أو يشرب من البحر . أيضا ، لا أعرف المعايير التي تم على أساسها الإفراج بعفو رئاسي عن عدد من القتلة والبلطجية الكبار ، بمن فيهم أشهر بلطجي في مصر ، والذي ألقت أجهزة الأمن القبض عليه وصادرت ترسانة من الأسلحة والذخيرة ، وسجلت محاكمته قصصا تشيب لها الولدان من جرائمه وسطوته في عالم الجريمة ، لا يقضي سوى سنوات قليلة في السجن ، ثم يصدر رئيس الجمهورية بنفسه قرارا بالعفو عنه ، وفي الأسبوع نفسه يتم الحكم بسجن باحث سياسي عشر سنوات من خلال محكمة عسكرية بتهمة نشر أبحاث تتعلق بأوضاع في سيناء تعتبرها بعض المؤسسات مما يمس الأمن القومي ، هل المقارنة التي يجريها الآن محللون أجانب ووكالات أنباء بين الواقعتين : العفو على زعيم البلطجية وسجن باحث سياسي ، هل هي مقارنة ستخدم النظام وسمعته ، وهل يمكن أن توضع تلك المقارنة في أي قاعدة من قواعد "المواءمة" السياسية ؟ . لقد قال الرئيس عبد الفتاح السيسي ذات يوم بأنه "مش بتاع سياسة" ، واعتبرها كثيرون زلة لسان لم يقصدها ، وأرجو أن تكون كذلك ، ولكن الذي يجري الآن في مصر من تناقضات لا يمكن أن تجري وفق أي مفهوم سياسي ، غير أن ما يجب أن يدركه الرئيس أن "السياسة" بالنسبة لقادة الدول ليست اختيارا ، بل هي ضرورة للمنصب الرفيع ، وتجاهلها يمثل خصما مباشرا من المنصب ورمزيته واستقرار النظام بكامله .
كثيرا ما يتساءل الدعاة والمخلصون، وهم يرون هذا الظلام الدامس، وهذه المؤامرات على الأمة، وهذه التحولات من الدعاة وانحرافهم نحو الدنيا، وتقلبات الزمان، مع ما يرونه من ضعف الأداء لجميع التيارات الإسلامية، وضخامة المؤامرة، وتملصات الكثيرين، أين المخرج!!!
لا نشك أنه سؤال مهم، ولكنه كذلك كبير، وليس كن السهولة الإجابة عليه بكلمة أو كلمتين، بل هناك ضروريات قبل الإجابة:
الضروريات:
استشعار المفكرين والدعاة بمرارة العيش، وعمق الكارثة، وأنه لا مخرج إلا بهذا الدين!
القدرة على العمل والهمة والحماسة.
قراءة الواقع قراءة موضوعية وفهم عميق.
الاحتياجات:
1-المال ويأتي من قبل التجار أو الاستثمار أو الوقفيات لدى الأعمال الخيرية.
2-الطاقم الشبابي القادر والمتفهم والرافض للواقع، مع قدرته على الحركة وإرادته التغيير.
3-شبكة عنكبوتية للتواصل.
4-مدارس ومراكز للتعليم
5-المساجد
6-منصات التواصل الإعلامي
7-رجال سياسة ورجال فكر
مواطن التغيير:
1-اللغة: كيف نستطيع جعل اللغة العربية لغة سائدة في المجتمعات الإسلامية، وجعلها هي لغة التخاطب، عند العرب كخطوة أولى، والمسلمين خطوة تالية.
3-الدعوة: التحاور مع التيارات الإسلامية لتوزيع الأدوار، ومحاربة الفساد، والتغلغل في المساجد والمدارس لعمل نقلة نوعية في العث=قل ومنهجية التفكير للتغيير.
4-المجتمع: من خلال المساجد ووسائل التواصل الاجتماعي.
المطلوب:
-رصد الواقع، وتقدير الاحتياجات، وتحرير الأعمال الفكرية والدعوية المطلوبة.
-البحث عن حكومات ممكن التفاهم معها على بعض القضايا للتعاون.